الأحد، 19 فبراير 2012

هل الأنظمة العربية علمانية؟


يمكن العودة لمقال سابق عن العلمانية نفسها بعنوان: إفهم العلمانية!! (عن برهان غليون ورجاء بن سلامة و غيرهم))
لاحظت بشكل مستمر خلال قراءاتي شتم العلمانية من كثير من الأشخاص وارجاع كل الاستبداد الذي فتك ببلادنا للعلمانية. فهل الأنظمة العربية ومنها في سوريا فعلا أنظمة علمانية؟

العلمانية في العالم العربي وفي العصر الحديث كانت حكراً على من استطاع الاحتكاك بالغرب ووظِفت لأغراض فئة معينة لاحقا,على عكس أوروبا, فالعلمانية هناك هي نتاج وعي فكري انتشر عبر مفكري عصر التنوير (المتأثرين ايضا بمفكرين مسلمين مثل ابن رشد) من ثم انتقلت إلى حالة سياسية عن طريق الثورات الشعبية كما الثورة الفرنسية. أما “العلمانية” في هذه الأنظمة الطاغية هي ليست إلّا وهم يتبدّل بتبدل ضرورات الحفاظ على الكرسي, ومحصورة بحرية الشرب. كأنها اختزلت العلمانية بكأس من البيرة. صدّام حسين علماني (كما ادّعى) لكن لسبب يساعده على البقاء أضاف “الله أكبر” على العلم ليفخر “بأم المعارك” والتي هي أم الهزائم. هناك مثال مبتكرأيضا وهو الشعار “العلماني”, “سوريا الله حاميها”.
العلمانية تعدديّة لكن أين هي بالأنظمة العربية؟ العلمانية حرية تعبير, أين هي بالأنظمة العربية؟ العلمانية حرية إعتقاد ومساواة, أين هي في العالم العربي الذي اضطُهدت فيه فئات قومية ومذهبية وعشائرية أخرى أو همّشتها سياسياً على الأقل؟ حتى شرط “فصل الدين عن الدولة” غير مكتمل في الأنظمة العربية. لنأخذ الحالة السورية كمثال, الرئيس يجب أن يكون مسلم والشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع, عدا جرائم الشرف وقوانين الأحوال الشخصية الغير مدنية. والمادة الثامنة من الدستور (حزب البعث الحزب القائد للدولة و المجتمع) هي مساوية في المبدأ “للإسلام دين الدولة” لكن بطابع قومي عربي بعثي وليس ديني إسلامي. فكلا الحالتين غيرعلمانية بل شمولية.
وهنا يبرزالتناقض بين ما يسمى “بعلمانية” النظام السوري (مثلا) وبين اطلاق وصف “طائفي” عليه في نفس الوقت. فهل هو علماني او طائفي لان المفهومين متنافضين تمام التناقض كالابيض والاسود؟ ومع الاسف لاحظت ان كثير من الذين ينعتوه بالطائفي يقولون انه علماني وان العلمانية “دمرت سوريا وانها استبدادية”. ولا يخفى على أحد كيف هذا النوع من الأنظمة مثل النظام السوري يلعب على الطائفية بشكل رهيب وعلى مبدأ فرق تسد وحاول بشتى الوسائل “تعليق” حرب اهلية طائفية , لحسن حظ انها لم تنجح بشكل شامل كامل, لكنها أتت “بزيوان” لا بأس به وخلقت حالة من عدم التعايش. النظام العلماني لا يعمل إلا على أساس المواطنة وهو قطعا معدوم بكل الأنظمة العربية (السابقة منها).
كما قال الكواكبي في كتاب طبائع الاستبداد: ” تضافرت آراء العلماء الناظرين في التاريخ الطبيعي للاديان, على ان الاستبداد السياسي متولد من الاستبداد الديني, والبعض يقول: ان لم يكن هناك توليد فهما أخوان.”
و يقول ايضا: ” ويحكمون بأن بين الاستبدادين السياسي والديني مقارنة لا تنفك متى وجد احدهما في أمة جر الآخر اليه.”
فمن يظن ان تحالف البوطي وامثاله من رجال الدين المسلم والمسيحي في سوريا انه وليد الثورة او مفاجأة فهذا خطأ جسيم. انه تحالف متجذر ومتأصل بين نظام استبدادي عسكري يلبس عباءة العلمانية وبين السلطة الدينية. كان تحت الطاولة قبل الثورة و حين دقت الساعة طلع الى العلن. فمن المفكرين العلمانين من حوصر وروقب و طفش وسجن و قتل. ومن الكتب من منع من النشر بعد أن مرعلى السلطة الدينية. ومن جمعيات حقوق الانسان والمراة من تكاثرت عليها جهود الاستبدادين السياسي والديني لتفكيكها.
فهذا النوع من الأنظمة محسوب على العلمانية لأنه غير ديني بشكل كامل لكنه في الحقيقة لا يمتّ للعلمانية بأي صلة, وهي من شوهت فكرة العلمانية في عقول الشعوب. لذلك ان اسميها انظمة “استبدادية لادينية” وليس “علمانية”.
“…و قضية العلمانية خسرت بدورها في المجتمعات العربية بسبب الأدلجة القومجية أو الستالينية التي جعلتها مرادفة لمقاومة الأديان والعقائد, وهذا خطأ بالغ…” (المفكر التونسي محمد الحداد)
الكواكبي: “ وأشد مراتب الاستبداد التي يتعوذ بها من الشيطان هي حكومة الفرد المطلق, الوارث للعرش, القائد للجيش, الحائز على سلطة دينية.”

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق