الأربعاء، 15 فبراير 2012

لماذا لا يجوز اعتبار كل من في المؤسسة العسكرية “هدفاً مشروعاً”؟

* تعليقا على بيان المكتب الإعلامي للجيش الحر بتاريخ 12-2-2012
بعالي التقدير والاحترام تلقى الجميع مساء أمس بيان المكتب الإعلامي للجيش الحر الباسل، الذي يتبرأ فيه من عمليات الخطف، وما يليها من طلب الفدية، والتهديد بالتصفية أو التعذيب، هذه العمليات التي انشترت مؤخراً من قبل جهات عدة، تتستر باسم الثوار والجيش الحر، والتبرؤ من هذه الأفعال خطوة قوية في توضيح سمو الجيش الحر وعناصر الثورة السورية على الصعيدين العسكري والمدني.
ولكن هذا البيان ذاته يصرح بأنّ “كل من يخدم في هذا النظام هو هدف لنا كائن من يكون وقد اعذر من انذر” وهذا الكلام بحاجة إلى وقفة طويلة
فكلنا يعلم أن النظام في سوريا، نظام شمولي يسيطر على كل مفاصل الحياة في الوطن، من أصغر الخدمات الأساسية، إلى قمة الهرم الاقتصادي والسياسي والعسكري، وقد سخّر كل طاقات الوطن والشعب لتكون جزءاً من آلته القمعية الدموية.
وعليه فالتعميم بأنّ “كل من يخدم في هذا النظام هو هدف لنا كائن من يكون” غير ممكن وغير واقعي، فمن يخدم في النظام هم الموظفون الرسميون، أعضاء الحزب، الوزارات وجميع العاملين في القطاع العام، فما الفرق بين من يدعم النظام عسكريا وبين من يؤمن استمراره اقتصاديا؟ أو من يعمل في السكك الحديدية والموانئ؟
وهذا الكلام يجعل مئات الآلاف من السوريين أهدافاً مشروعة، وهذا لا يرضى به أحد، وكلنا ثقة أن الجيش الحر أعلى من أن يرضى بمثل هذا

صحيح أنّ الثورة قد مرّ عليها أحد عشر شهراً، ووصل القتل والعنف في الفترة الأخيرة إلى حد لا يطاق، ويفترض أن يكون الجميع قد حسم قراره في هذه المرحلة، لكن هل الجميع استطاع تنفيذ هذا القرار؟ وهل أغلق “باب التوبة” إن صح التعبير؟
اليوم، وُجد مجنّد من أبناء مدينة السلمية في ريف حماة مقتولاً في سريره بطلقة في الرأس من الخلف، وهو مجنّد من مرتبات الفرقة الرابعة سيئة الصيت، فهل قتل لأنّه كان مجرماً؟ وهل كان “هدفاً مشروعاً” قبل قتله بدقائق؟
انشق أمس عدد من العناصر، ففتحت سوريا ذراعيها لهم تمسح عنهم كل ما عانوه خلال الفترة الماضية، وهم يبحثون عن الطريقة السلمية التي يستطيعون فيها الخلاص من هذا النظام المجرم والانشقاق عنه، فهل كانوا قبل انشقاقهم بساعات “أهدافاً مشروعة”؟
أعلن سيادة المقدّم حسين هرموش انشقاقه بتاريخ 9-6-2011 وكان عدد الشهداء حتى ذلك التاريخ 1667 شهيد بحسب مركز توثيق الانتهاكات، بينما أعلن سيادة الرائد خالد الحمود انشقاقه بتاريخ 22-11-2011 وعدد الشهداء حتى ذلك التاريخ 4611 شهيد بحسب نفس المصدر*.
فهل كان يلزم كل هذا العدد من الشهداء ليعلن الرائد انشقاقه؟
وهل كان يلزم كل هذا العدد ليقتنع سيادة المقدم حسين بضرورة انشقاقه؟
من يعرف سيادة المقدم ويعرف كل ضباط الجيش الحر وعناصره، يعلم يقيناً أنّهم كلهم قد أخذوا قرارهم منذ اللحظة الأولى التي أطلقت فيها أول رصاصة في درعا، وقرروا أن ينشقوا عن هذا النظام، ورفضوا ممارساته القمعية
ولكن توقيت الانشقاق، وتوقيت إعلانه مرتبط بعناصر متعددة، خلاصتها: تأمين الانشقاق، وحماية أهالي المنشق قدر الإمكان
إن الثورة تبقى مستمرة حتى النصر، وتبقى تفتح ذراعيها لكل من يريد الالتحاق بها، بشرطين فقط: أن يلتزم بالحق والعدل والمبادئ التي قامت عليها الثورة، وأن يضع نفسه تحت المحاسبة لاحقاً، ما لم يكن من المجرمين القتلة.
ولا يحق لأحد، كائن من كان أن يقول بأن باب التوبة قد أغلق، وأن كافة العناصر العسكرية -أو غير العسكرية- هي اليوم أهداف مشروعة
لنكن واضحين، وبعيداً عن الضبابية، الجيش النظامي مؤسسة قتالية عسكرية، وقد حولها النظام إلى آلة قمع وقتل وترهيب ضد الشعب، وعليه فواجب كل عسكري الانشقاق عنها، والالتحاق بركب الجيش السوري الحر
لكن، الإكراه، له أثر في تصرفات العسكري، وأثر في موقفنا من العسكريين
فالاكراه مسألة خطيرة، يجب التعامل معها بدقة، لكي لا تتحول إلى شماعة نعلق عليها جبننا وعجزنا، من ناحية، كما لا يجوز إهمالها، بحيث ننفي وجود عامل الإكراه، لكي نتخلص من قيود دينية وأخلاقية سامية، يفرضها علينا كوننا ثوّاراً نسعى إلى الحق والعدل…
ويؤكد وجود “الإكراه” في هذه المسألة عاملاً مؤثراً ثلاثة نقاط:
1- أنّ القانون العسكري يقضي بملاحقة الفارين من الخدمة
2- عبر السنين، أصبح من القواعد التطبيقية لدى النظام، استهداف أهالي المطلوبين له، من العسكريين أو غيرهم
ويدل على هذا عشرات الحوادث من أشهرها: قصف قرية إبلين، قرية سيادة المقدم هرموش، وقتل أخيه وابن أخيه، وزوجة أخيه، حيث وصل عدد الشهداء من العائلة إلى أكثر من عشرة، إضافة إلى اعتقال العشرات من العائلة، في الفترة التي سبقت وتلت اعتقاله
وحتى في المدنيين، حيث يعرف الجميع عشرات القصص من الضغط على أهالي الناشطين السلميين، لعل من أبشعها تهديد زوجة الناشط أسامة النصار من داريا باختطاف ابنتهما إيمار، التي لم تتم عامها الأول بعد، وقد أثبت النظام أنّه قادر على تنفيذ مثل هذه التهديدات، فقد تم بالفعل بتاريخ 26-1-2012 مداهمة منزل الناشط غسان الشامي في حماة، واختطاف أطفاله الثلاثة: رياض 13 سنة، محمد نور 11 سنة، بكر 9 سنوات، للضغط عليه لتسليم نفسه.
3- والنقطة الأخيرة: العسكري الذي يكون محاطاً بأشخاص لا يعرفهم، يرى بينهم الشبيح، والقاتل المجرم، والضابط الفاسد، وعناصر المخابرات التي تترصد بأي حركة لتقتله، لا يمكن أن يكون في حالة ذهنية تسمح له أن يقول: لن يحصل شيء لأهلي
لأنّه يرى بأم عينيه كل التعذيب والتنكيل، ولا يحق لأحد أن نطالب الإنسان بأن تنزع من قلبه مشاعر الخوف على عائلته وذويه
هذا من حيث وجود عامل الإكراه، لكن متى يكون مؤثراً في تصرفات العسكري، وموقفنا منه ومتى لا يكون كذلك؟
الإكراه عامل معتبر في كل الظروف، إلا في الجنايات، فلا يجوز لأحد أن يتذرع بأنه مجبر ليقتل، أو يغتصب، أو يسرق، أو يعذّب، أو يقتحم البيوت، ويروّع الآمنين، أو يقدم معلومات تؤدي إلى قتل أو انتهاك حرمات أحد من الناس
وعليه، فالعسكري عندما يفرض عليه فعل إحدى هذه الجنايات، يجب عليه أن يمتنع، لأن حياته مساوية لحياة اي انسان آخر يعتدي عليه، والدماء تتساوى في الحرمة، وفي نفس الوقت فهو لا يقف مكتوف اليدين، بل يقاتل ضد من يفرض عليه هذا، حتى يستشهد أو يتمكن من الانشقاق، وهذا واجبه الذي يفرضه عليه دينه، وقسمه العسكري.
أمّا إذا كان يستطيع التهرب، والابتعاد عن القتل والجرائم الكبرى، إلى حين تنسيق انشقاقه بطريقة ما، أو تسريحه فهنا يعود القرار له، وعليه العمل والسعي للتواصل مع الجيش الحر لتنسيق انشقاقه وتأمين عائلته، وعليه تقليل الضرر من وجوده قدر الإمكان إلى ذلك الحين.
أمّا “إغلاق باب التوبة” أمام العسكري -إن صح التعبير- فمن شأنه أن يدفع به إلى حائط مسدود، ويجبره على أن يكون قاتلا أو مقتولا، وتتحول المسألة من الدفاع عن النظام إلى الدفاع عن النفس.
إن عدم إمكانية حماية من يؤيدون الثورة أو يرغبون بالانشقاق عن النظام يغير الكثير من المعطيات القانونية والشرعية والأخلاقية.
هو لا يغيّر حقيقة أنّ واجبهم الانشقاق، وأن الإكراه لا يبرر القتل وارتكاب الجرائم، لكنّ في الجهة الأخرى هو لا يعطينا الحق في قتل العسكري، البعثي، الموظف في القطاع العام… لمجرد هذه الصفة، بل فقط من يثبت عليه بالدليل القاطع المشاركة في القتل وترهيب الناس وسرقة الأموال العامة بقوة السلاح.
فقبل أن يوجد آليات واضحة معروفة للانشقاق، مع عدم تضرر الأهالي، أو تضررهم بحد معقول، فنحن نضع العسكريين بين خيارات سوداء، أحلاها مر
فلا يمكن لأحد أن يطلب من مئات الآلاف من العسكريين أن يحاولوا الانشقاق الارتجالي بدون تخطيط أو تنسيق مع عناصر من الجيش الحر أو الثوار تغطي انشقاقهم، ودون ترتيب لوضع أهاليهم قدر الإمكان، ليتم قنصهم أو تصفيتهم كما حصل مع آلاف الشهداء الذين لم يعرف عنهم أحد
هذا موقف الجندي، أما موقفنا نحن من العسكريين، فنقصد به الموقف منهم عند حصول عملية أسر، أو خطف، أو استهداف أو مواجهة
حالات الأسر أو الخطف، قد تكون إثر عمليات عسكرية، وقد تكون أحياناً إثر عملية تفتيش لباص يكون فيه عدد من العسكريين العائدين في إجازات، وقد تكون بعشرات الحالات، ما يهمنا أنها كلها تندرج تحت قسمين: الأسر في حال التلبس بجرم، أو مع عدم التلبس به
فالجندي الذي يخضع للأسر في الحالة الثانية، قد يكون قاتلاً مجرماً، وقد تكون يداه نظيفتان، يحاول البحث عن طريقة للانشقاق، وقد يكون مجرد عسكري في عمل غير ميداني أصلاً، وقد يكون أخاً لشهيد حتى، فعند الأسر يجب توافر جهة قضائية أو شرعية مخولة للنظر في أمره، وإصدار الحكم بحقه، مع مراعاة الفرق بين من يؤسر خارج الميدان، وبين من يؤسر فيه
وهذه الجهة المخولة، يجب أن تتوافر فيها الصفات الشرعية اللازمة وهي ما يعرف بالإجازة في القضاء الشرعي أو في الفتوى، أو بالمصطلح المعاصر أن يحمل رئيسها شهادة الدكتوراة في الشريعة الإسلامية، أو أن يوجد قاضٍ مخول من الجانب القانوني
ونذكّر بأنّ الجيش الحر قد أسس نواة الهيئة القضائية العسكرية عند انشقاق العقيد الحقوقي عرفات رشيد الحمود
لكن إن لم تتوفر هيئة بمثل هذه المواصفات، في أي مجموعة، أو كتيبة، فهي بين خيارين
- إما الأسر بغرض المبادلة فقط
- أو أن يتم عرض الملف بدقة وصدق على جهة قضائية تابعة للجيش الحر، يتم التواصل معها، وإن لم تكن في نفس منطقة الكتيبة
وبغير هذا، فكل قطرة دم تراق، إثر عملية أسر هي حرام شرعاً، وجريمة قانونية، لأنها قتل بغير تخويل ولا تهمة ثابتة
وهذا الكلام منطلق من الأخذ بالأكثر احتياطاً من النواحي الدينية والأخلاقية والقانونية، والعمل بالمبدأ الشرعي والقانوني الخالد: “كل متهم بريء حتى تثبت إدانته” لكي لا نتحول إلى قتلة، نقتل على الهوية، تماماً كما يفعل النظام الذي يقتل كل من يعارضه لمجرد أنه يعارض، بغض النظر شارك بعمليات قتالية أم كان طفلا يهتف من أجل الحرية
إن إدارة الأزمات تعني القدرة على تجنب المزالق التي تحول الانسان من مدير للأزمة إلى جزء منها، أو من محرك للواقع إلى مجرد إنسان صاحب ردات فعل، ولا تعني بحال من الأحوال التخلي عن ديننا وقيمنا وقانونا الأخلاقي، وإلا أصبحنا كالأسد، عندما شعر أنه في خطر، أراد تدمير الجميع
عاشت سوريا حرة أبية
والاحترام الكامل للجيش السوري الحر، جيش المبدأ والحق والعدل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مع ملاحظة أن الانشقاق يسبق الإعلان بوقت ليس بالقصير أحياناً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق