السبت، 18 فبراير 2012

أطفال في عمر الورد

منذ عام مضى , كان يوم الأربعاء في السادس عشر من شباط الماضي , هل تتذكرون هذا التاريخ , هل يعني سورية و السوريين , ترى ماذا حدث في هذا اليوم ..!!؟؟؟
ما أن بزغت شمس ذلك الصباح حتى تجمع أطفال حارتنا و خرجوا في شوارع الحي ينظرون السماء فلا شيء يحمي حلمهم سواها و جلبوا معهم الطلاء و كتبوا على الحائط كفراً بالنظام القمعي
“الشعب يريد إسقاط النظام”

بين الكتابة على الجدران حين كانت الشوارع مقفرة و بين تجمع عصابة الأمن السياسي كانت لحظة واحدة فقط, تم اقتياد أطفالنا إلى المعتقل و لأول مرة عرف الأطفال بأنه من الممكن أن يكون هناك عدة طوابق تحت الأرض على غير ما عرفوه ….
غرف ضيقة جدارنها متسخة و عليها بقع دم منها القديم الذي أصبح كمثل الطلاء و منها ما يشع منه النور لحداثته,صوت أقدام تقترب من زنزانة أولئك الصبية,تختلط الشتائم التي يتلوها الجلادون مراسيم رئاسية بصوت الأقفال الحديدية التي تفتح باب الزنزانة, و تبدأ المراسم الشيطانية بركل الأطفال إلى ذلك الممر الذي تنبعث منه رائحة غريبة على أنوف أولئك الصبية, سوف لم يستغربوها لاحقا فقد بدأت اللكمات تنهال عليهم و صفعة هنا و سوط هناك و تم تثبيت الأطفال و لتجري مراسم تقليم الأظافر بخلعها!
ماذا يمكن أن يكون بداخل رؤوس أولئك الذين انهالوا ضربا بالهراوات و العصي و اللكمات على أولئك الصبية!
هل كانوا فعلا مستمتعين بسماع نحيب أطفال و هم يصرخون تحت وطأة خلع الاظافر!
على ما يبدو كانوا مستمتعين جدا بقيامهم بالعمل المنوط بهم
فهم الأن في معركة تحرير و تعذيبهم و تنكيلهم هو حماية لصمودنا و تصدينا ممانعتنا و مقاومتنا المهترئة بعهر كلام السلطان.
لم يكن يخطر على بال مجموعة من أطفال درعا ، الذين لم يبلغوا الحلم بعدُ، دون الرابعة عشرة، وهم يكتبون على جدران مدرستهم ، ببراءة الطفولة المعروفة عبارة (الشعب يريد إسقاط النظام)، في مشهد تقليدي حاكوا به مشاهد الثورة في تونس ومصر وليبيا، واستوحوه من الفضائيات التي تبث أخبار الثورات التي لم تنقطع منذ مطلع العام..لم يكن يخطر على بالهم أبدًا، بأن هذه الشعارات المكتوبة بطفولية وعفوية ستقود لإشعال أكبر ثورة تشهدها سورية في العصر الحديث.
سادتي الكرام أنتم شرارة الثورة و أنتم من أشعلتم ظلامنا و حولتموه لنور يرينا أبعد مما كنا نحلم , أنتم من ارشدنا لهويتنا الحقيقيه , التي أعادت لنا الكرامه المسلوبه , كنتم المفتاح الذي فُتح به سجننا الذي سُجننا به منذُ عقود , براءتكم هي التي أعادت الشرف لنا بعدما فقدناه لسنين طويله , عفويتكم هي السكين التي نحرنا به الخوف و الهلع من ذواتنا ,شجاعتكم هي من ارجعتنا لأصولنا الأصيله الرافضه للوهن و الضعف , صِدْقَ تصرفكم جعلنا نعرف قيمتنا و قوتنا و ندرك بأننا نستطيع أن نفعل المستحيل إذا توحدنا , أنتم بإختصار يا سادتي العظام من ارجعتنا لهويتنا التي فقدناها منذُ سنين.
و أنا بنشوة الفرح أرى ما يحدث اليوم من عزه و شرف و معارك يقودها شعبنا العظيم لتكسير الأصنام التي جثمت على صدورنا منذُ عقود خلت , و بفضلكم استعدنا روحنا الشريفه لمقاومة الطغيان , و كل سوري حر وضعكم رمزه الكبير لكي يصرخ و يفعل و يستعيد أمجاد الأجداد , اليوم نحن نخوض المعركه كلاً بقدر استطاعته , و لكن نتفاوت بالفعل , و كل شريف متفق على إنكم الرمز الأول و الأكبر لما يحدث اليوم , كنا بالماضي ننتظر ذلك البطولي الذي ينقذنا من الهلاك و الموت و الوهن , غرقنا بالتنظير منذُ سنين , و لكن لم ندرك بأننا نحتاج لمن يعمل و يطبق لكي يخرجنا من سجن تقديس الأنظمه , فما كان ذلك المنقذ البطولي و العملي الشجاع و الملهم الابّي إلا أنتم.
اخبركم بأنكم لم ولن تغيبوا عن أبصارنا طرفة عين , فأنتم بنظرنا الرمز الكبير الذي جعلنا ندرك بأننا أحياء لم نمت , و بأن كل الأحرار السوريين الشرفاء يبجلونكم و يعتبرونكم أبطال , اليوم , غيرتم نظرتنا لغالبية الامور , فبالأمس كنا نسير على رؤوسنا و كأننا جدل هيجل لدى ماركس , و لكن بسببكم اليوم نحن قلبنا الرأس أرجل و الأرجل رأس و اعتدلنا بالممشى , طريقنا طريقٌ طويل , و لكن العبره ليس بطول المسافه , العبره بصحّة الطريق و هذا ما يهم , فنحن بالأمس كنا نسير بطريق الجحيم الأرضي , و لكن اليوم رجعنا لنسير بالطريق الصحيح طريق الجنه الارضيه , كلما سرنا بالطريق وجدنا قرية الكرامه , و بعدها قرية المساواة , و بعدها قرية المجد و العز , و بعدها طريق الانسانيه , و بالأخير سنصل الى نهاية الطريق و نصبح مستوطنين بقرية الحريه التي بحثنا عنها منذُ سنين.
حبائي اليوم كما ترون نخوض معارك ضد الظلم و الاستبداد أنتم من اشعلها , عندما تنتهي معركة الشرفاء سيخلدونكم بكل شىء , حتى الثوره السورية ستكتب بإسمكم , كانت أحلامكم بسيطه عندما كتبتم على جدران مدرستكم , فها أنتم تكتبون تاريخ سورية الحديث فلن تغيبوا عن ذهن الشرفاء بكل العالم و ليس العرب و السوريين وحدهم , بالامس الكثير كان يخجل من إنه سوري, و لكن اليوم الكل يفتخر بأعلى الصوت بأنه سوري , أخبركم بأن الشرف لو تجسد برجل لقال انا أطفال درعا , و الكرامه و العزه لو تجسدت بشخص لقالت انا أطفال درعا , و الحريه و الانسانيه و كل المصطلحات العظيمه لو اختارت التجسيد بالشخوص لاختارات دون تردد ان تكون أنتم يا أطفال درعا.
منكم و بكم أخذت شرارة الثورة تندلع في شتى أنحاء سورية مؤذنة بدوران عجلة ثورة لن تتوقف حتى تقتلع أقدم نظام قمعي في المنطقة، وذلك كله بفضلكم يا أطفال درعا الكبار، الذين سيذكركم التاريخ يوماَ بأنكم كنتم مَن بدأ طريق تحرير سوريا من أسوأ عهود الظلم والطغيان.

نعم إنهم أطفالنا ببراءتهم أشعلوا شرارة الثورة السورية المباركة الثورة المعجزة عند حدوثها والمؤثّرة عند استمرارها والقوية بثباتها و المذهلة بأبنائها. نسأل الله أن يعجل في نصرها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق