الأحد، 19 فبراير 2012

رحلة في جماجم الشبيحة.. الخاوية

كما بات معروفاً، هناك عدة أنواع من الشبيحة. منهم الشبيح الكلاسيكي “المتوحش” – المرتزق الذي يحمل السلاح و يقتل أبناء بلده لقاء حفنة من الدولارات. هناك الشبيح الكلاسيكي “النبيح” – المرتزق الذي ينبح مع النظام لقاء حفنة من الدولارات و بعض الامتيازات التافهة مقارنة مع الكرامة الإنسانية، و لكن كونهم بلا كرامة يرون أن ما يحصلون عليه لقاء نباحهم مع نظام ديكتاتوري سفاح يتناسب مع حقارتهم. و هناك الشبيح الكلاسيكي “المنتفع” – المرتزق الذي يرى أن الغاية تبرر الوسيلة. مصلحته المالية تعلو و لا يعلى عليها بغض النظر عن الأسلوب الذي يستخدمه بالحصول على المال. هذا النوع لا يتوانى عن المتاجرة بجميع الموبقات طالما تربح المال! لا يتوانى عن مشاركة حتى الصهاينة طالما النتيجة هي تحصيل المال! فما أدراكم بمشاركة نظام كل ما اقترفه في نظرهم هو
فقط قمع و سرقة شعبه؟!!
الأنواع الآنفة الذكر كلها من المخلوقات المعروفة لدى البشر على مر الأزمنة حيث أنه كما يقول المثل المعُدَّل من قِبَلي “لكل زمان دولة وشبيحة”. هم أنواع من المنافقين الذين تحَدَّثَت عنهم الكتب السماوية و الدنيوية. هؤلاء يزعجوني و أحتقرهم كثيراً و لكن لا يفاجئوني! و لكن النوع الذي فاجأني كثيراً في ثورتنا السورية الحالية المباركة هو فصيلة جديدة من الشبيحة. الشبيح “الصامت السلبي” و “الخائف على البلد”. هذا نوع سوري أوريجينال!! الفريد في هذه الفصيلة من الشبيحة هو أنهم ليس فقط غير مستفيدين من النظام، بل متضررون منه لأبعد الحدود و لكنهم مع ذلك يبدون تمسكاً به! قبل الثورة كانوا على الدوام ينتقدون النظام و ينقُّون و ينقُّون و ينقُّون بدون حدود. لماذا لدينا فساد منقطع النظير؟ الرشاوي المتفشية، هيمنة الأجهزة الأمنية على حياة الناس، هيمنة المقربين من النظام على اقتصاد البلد، التعليم الرديء، مخالفات البناء، القضاء الفاسد، غلاء البيوت، قبح مدننا، الشوارع السيئة، البطالة، تدني المدخول، القلق من الإعتقال التعسفي من قبل أجهزة المخابرات، القلق على أعمالهم و وظائفهم بسبب عدم سيادة القانون، كلها أمور لم يجتمع إثنان قبل الثورة من هؤلاء الشبيحة إلا و كان نقُّهم على هذه المساوئ للنظام ثالثهما. قامت الثورة السورية العظيمة بعد خمسين عاماً من الظلم و الهوان و التخلف. تأخرت الثورة كثيراً، و لكن أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً. كلنا بات يعلم سبب تأخر الثورة. آليتي فرِّق تسد و القمع الوحشي كونتا حجر الزاوية لاستراتيجية بقاء النظام و هو ما تم التخلص منه عبر تكنولوجيا الاتصال الحديثة و كسر حاجز الخوف لدى المواطنين الأشراف. على كلٍّ هذا ليس موضوعنا و لنعد لموضوع الشبيحة السوريين الأوريجينال. قامت الثورة و إذ بهم يبدون تمسكاً بالنظام ذاته الذي ما فتئوا يتذمرون منه و يبدون كرههم له!
تحدثتُ و تناقشتُ كما فعل جميع أخواني المندسين مع بعض من هذه المخلوقات علني أفهم ما يدور في عقلهم و كيف يفكرون. اكتشفت أنهم ليسوا نوع واحد بل طيف من الشبيحة. هناك النوع الصامت السلبي اللطيف الذي لا يدعم الثورة لخوفه مما قد يحدث بعدها دون أن يصرح بما هو لصالحها. و هناك في الطرف الآخر من الطيف أولئك الذين يعادون الثورة و يدافعون عن النظام و يخرجون بمسيرات لصالحه و كأنه من أنقذ حياتهم (هذا أحقر نوع). ما بين هذين النوعين أنواع عديدة أخرى. لقد كان اتخاذ قراري بالوقوف إلى جانب الثورة أسهل قرار أخذته في حياتي. بالنسبة لي، رأيت سوريتي الحبيبة قد تخلفت إلى ما قبل العصور الوسطى بإنسانها و أخلاقه و علمه، و بعمرانها و تطورها على جميع الأصعدة. رأيت سوريتي تخلفت ليس فقط عن دول العالم الأول، بل عن الكثير من الدول التي كانت سورية تسبقها بأشواط منها المحيطة بها و منها البعيدة عنها. رأيت أن نظام الحكم البعثي الأسدي سلب حرية المواطنين بالتعبير عن رأيهم و اتخاذ القرارات التي تعني حياتهم. رأيته نظاماً ديكتاتورياً قمعياً مافياوياً سرق البلد بمن فيها. ثم رأيت بعد ذلك ثورة وطنية سلمية حقيقية تخلص بلدنا من الطغاة المتخلفين و تدعو للتآخي و المساواة بين السوريين و لَايقاظ الشعور بالمواطنة الذي بدا لفترة أنه غاب في سبات أبدي. كيف لا أدعم هكذا حراك؟!! كم كان سهلاً قراري!
أنا متأكد من أن إخواني المندسين سمعوا كل أنواع التبريرات من قبل هؤلاء الشبيحة الأوريجينال لتفسير مواقفهم و التي لم يجدوا فيها أي منطق. لا أريد أن أطيل هنا بذكر جميع تبريراتهم التي أصبحت كالأسطوانة المشروخة لدى الجميع، و لكني سأذكر بعضها بغرض تحليل مستوى تفكيرهم و العمق في تحليلهم للأحداث:
* يقولون: “مين بدو يستلم بدالو؟” – أقول: “ديروا بالكون أوعكون يموت. لتئوم تموت سورية معو؟! لقد مات جميع الأنبياء و تدبر الناس من بعدهم! ثم، ما هي الميزات و الخصال التي تجعله برأيكم فريد لقيادة سورية سوى أنه نزل من أبيه وورث الحكم؟! بعد صمت أبله،
* يقولون: “الرئيس و قرينته زوج جميل و أنيق و جذاب و “كلاس” يعطي صورة طيبة للبلد في الخارج” – أقول: “و هو أيضاً ديكتاتور بعثي في بلد تم تخليفها لتصبح أكثر تخلفاً من الصومال و أفغانستان! هل نحن بصدد عرض أزياء أم فيلم سينما؟ هل لم يعد في سورية أي زوج بجمال هذا الزوج؟ إذا عجزهم عن الحصول على زوج جميل في كل سورية، بإمكانكم أن تأتوا إلي حيث أنا و زوجتي نشكل زوج “بياخد العقل! الفرق هو أننا لسنا بسفاحين و لدينا من العلم و الوطنية و الأناقة و الجمال ما يجعلنا أكثر كفاءة!!” طبعاً أقول ذلك مازحاً و راداً على أولئك الذين يعتبرونهم “وارد طنو مافي منو”.
* يقولون: “كلنا يعلم أننا بحاجة لإصلاحات و لكن يجب علينا إعطاءه المزيد من الوقت. لما العجلة؟ – أقول: “خمسين سنة للبعثيين و أربعين سنة الأسديين و احدى عشرة سنة لبشار أليست كل هذه المدة كافية لإصلاح المريخ إذا كانت هناك النية لذلك؟! انظروا ما أنجزت دول شرق آسيا في مدة أقصر من ذلك بكثير!” للحصول على الإصلاح يجب أن تتوفر الرغبة و القدرة على ذلك. النظام البعثي الأسدي لايعرف كيف يصلح و لا لديه الرغبة لفعل ذلك لأن ذلك يعني نهايته!! افهموها!
* يقولون: “انظروا كيف النظام بدأ فعلاً بالإصلاح! أليس هذا إنجازاً و دليلاً على صدق نواياه؟!” – أقول: “أولاً عليكم يا منحبكجية أن تذهبوا إلى كل من خرج في المظاهرات حياً كان أم شهيداً و تقبِّلوا حذاءه لأنه لولاه لما تم حتى التفكير في طرح أي من الإصلاحات التي تتكلمون عنها. أما فيما يتعلق بصدق نوايا النظام، لم يطبق للأن أي من الإصلاحات الفعلية. ما تم فقط هو تغيير بعض الاسماء لبعض المسميات. وضعَ قانون لمنع التظاهر و فبركَ دستوراً مفصلاً على قياس قدمه يضمن له البقاء للأبد هو و ذريته و تابع قتل السوريين بكل كفاءة و بدون أي حياء أو وجل و باع استقلال سورية للروس في سبيل محاولة بقائه في الحكم (كلو بيرخصلك يا كرسي).” إن هذا النظام مثله مثل العاهرة التي تتوب للمرة الخمسين. عليه فعل الكثير الكثير لكسب ثقة الناس بعد كل العهر الذي مارسه على شعبه. ما فعله النظام على أرض الواقع بدل التوبة النصوح هو المزيد من العهر! فوق كل ذلك يصدقه أولئك الشبيحة السذج!!!
* يقولون: “من سيستلمون الحكم بعد الثورة هم بالتأكيد سلفيون إسلاميون متخلفون و سيحرموننا من حرياتنا الحالية” – أقول: “هذا الطرح من أغبى الطروحات التي سمعتها! أولاً، كيف لكم أن ((تتأكدوا)) من أن متطرفين سيربحون انتخابات حرة نزيهة كالتي نطمح لها قبل أن تجرى؟! من أين أتى ((تأكدكم)) بأن السياسيين ذوي التوجه الإسلامي سيتمكنون من فرض آراء تتعارض مع الحقوق الدستورية للبلاد في ظل نظام ديمقراطي برلماني تعددي مدني كالذي نطمح إليه؟ منذ متى كان السوريون غير متعايشين مع بعضهم؟! ثم، إذا تمكن أو حتى حاول هؤلاء السياسيون “السلفيون الوهميون” سرقة حريتنا بما يتنافى مع الدستور، أليس من واجبنا جميعاً الوقوف ضدهم كما نقف ضد البعثيين الأسديين اليوم؟! أنا أعتقد أن الإطاحة بهم ستكون أسهل بكثير من الإطاحة بالنظام الحالي المتكلس و المتمكن. إن المحافظة على الحرية و الديمقراطية و التعددية و المساواة هي من مهمات ((جميع)) السوريين في كل زمان و مكان.” هذا الموضوع لم يشغل بالي و لم يخيفني على الإطلاق مع أنني علماني و أؤمن بحرية العقيدة كما أؤمن بالحريات الأخرى. نحن نطالب بإسقاط نظام لا لأن لرئيسه عيون زرق، و لكن لأنه نظام ديكتاتوري طائفي و غير حضاري. هدفنا ليس تبديل وجوه و أسماء بأخرى، إنما الوصول إلى نظام ديمقراطي مدني تعددي يضمن حريات و حقوق ((جميع)) السوريين دون استثناء. المتطرفون في مجتمعنا هم قلة قليلة. ليس كل من ربى لحية متطرف و ليست كل من تحجبت متطرفة. معظم هؤلاء هم أناس عاديون ملتزمون بشعائر دينهم و كونهم مسلمين، يبدو ذلك جلياً في مظهرهم. هل بالإمكان كشف المسيحي (ة) الملتزم (ة) دينياً من مظهره(ها)؟!!
* يقولون: “نحن نخاف على البلد. لهذا لا ندعم الثورة التي قد تنتج الفوضى” – أقول: “ما هذا السخف و التجني؟ هل خلف البعثيون الأسديون بالأساس “بلداً” منظماً بالمعنى الحقيقي و الطبيعي للكلمة؟ هل تعتبرون سورية اليوم “بلد”؟ البلد يجب أن يكون فيه قانون و نظام و مؤسسات لتزدهر حضارته! ما يوجد في سورية اليوم هو مزرعه أسدية خاصة يفعل “صاحبها” ما يريد بها بما في ذلك تخليفها و تقبيحها و حلب و احتقار ناسها. سورية اليوم لا تستوفي شروط “البلد” و بالتالي يجب إعادة بنائها من الأساس! من يخاف على بلده، يخاف عليها من التخلف لا يخاف على تخلفها!!!! أنتم لا تخافون على البلد. أنتم جبناء و أغبياء ليس إلا!!
مما ذُكر، يلمس القارئ أن القاسم المشترك بين كل هذه التبريرات هو أن المنحبكجية الشبيحة السوريين الأوريجينال لايفكرون! و على ما يبدو أنهم، و بفضل حكم الأسديين و البعثيين عليهم و مستوى التعليم الذي اأنتجوه، فقد ضمر عضو التفكير لديهم!! فهم يقرؤون عنوان الكتاب فقط و يحكمون عليه. هم سطحيون و جبناء، إذ يبررون الجبن ب”الخوف على البلد”. إلى الآن لم أحظى بشرف لقاء أي منحبكجي ذو ثقافة حتى و لو كانت متوسطة المستوى ليقدم لي حجة أو برهان منطقي لماذا يتوجب على السوريين القبول ((للأبد)) بنظام فشل فشلاً ذريعاً على مدى عقود طويلة و على جميع الأصعدة. إذا كان كل ما ذكر أعلاه لا يشكل بالنسبة لؤلئك المنحبكجية الشبيحة سبب كافي للثورة، لا أعتقد أنهم سيجدون أي سبب كافي لأي ثورة! إن شاكلة هؤلاء لا تقدم و لا تؤخر. ماهم إلا مجموعة نعاج كل همها هو الحصول على العلف (أركيلة بالمقهى و قرقعة متة و رقص و فقش) بغض النظر عن من أين يأتي هذا العلف، ما هي كميته، و من هو الراعي. يرون أن حَلبُهم و ذَبحُهم هو جزء طبيعي من حياتهم!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق