السبت، 11 فبراير 2012

الاستراتيجية المفترضة والخطوات القادمة لاسقاط النظام وحماية الثورة


أريد أن أمر مرور الكرام على هذه اللحظة المفصلية من محطات الثورة , وأرجوا المعذرة النقاط التي سأطرحها هي خلاصات ونتائج لذلك لن أخوض في الأدلة والبراهين لاثبات أو نفي كل نقطة فالشواهد تتحدث عن نفسها ولكل نقطة عشرات المقالات التي أفاضت في الحديث عنها …. الغرض هو فقط حصر النتائج وقراءة لواقع اللحظة حتى نستهدي معاً من خلالها للخطوات القادمة:


الأسئلة الأهم والأكثر شيوعاً منذ انطلاقة الثورة هي :


أولا – هل مايجري في سوريا ثورة أم حرب أهلية أم حرب طائفية؟

الجواب – الأشهر الأولى من عمر الثورة وقبل انشقاقات الجيش وتشكيل كتائب الجيش الحر كانت هناك ثورة شعبية ضد نظام الحكم , تحولت بفعل الضغط المسلح والقتل المتعمد واستباحة كرامات المدنيين إلى حرب أهلية من جانب واحد هو النظام على المناطق الثائرة والمتمردة على حكمه مما أدى إلى ردود فعل بحكم مبدأ الدفاع عن النفس المباح في كل الشرائع والقوانين وأدى بحكم ضغط المجتمع إلى انشقاقات كبيرة في الجيش وتشكيل كتائب الجيش الحر وبدأت ردات فعل عسكرية محدودة هنا وهناك من الممكن أن تسمى في العرف الدولي حرب أهلية لأنها صراع مسلح داخل المجتمع الواحد هكذا هم في الخارج يقرؤون الواقع شئنا أم أبينا …
القلق والخوف من الجميع الآن هو أن تتحول هذه الحرب الأهلية إلى حرب طائفية بفعل الاصطفاف العام لمكونات المجتمع حسب العقيدة والدين والمذهب والتخندق خلف هذه العقيدة دون الانتباه إلى المحرك الأساسي للثورة ودوافع اشتعالها ألا وهي ثورة مظلوم على الظالم بغض النظر عن عقيدة الظالم وعقيدة المظلوم . وهو بالضبط مايدفع إليه النظام بكل قوته لأنه بذلك يستطيع وبحكم الخبرة المكتسبة خلال إدارته للشأن اللبناني على مدار ثلاث عقود , يستطيع أن يلعب دور مطفئ الحرائق والشرطي الذي يفصل بين المتحاربين وبمباركة هذا الدور من الدول العظمى والدول الاقليمية الفاعلة كما حصل تماما في الشأن اللبناني ومن هنا يضمن استمراريته لأجل تتغير فيه المعادلات .
المطلوب – توعية جادة للناس والمجتمع من مخاطر الانزلاق إلى مخاطر الحرب الطائفية من دون وضع رؤوسنا في الرمال كالنعامة واغفال أن مايدور الآن هي حرب أهلية بين نظام مجرم وأعوان لهذا النظام من مختلف مكونات المجتمع من عسكريين واقتصاديين ورجال أعمال ويمتلك مقدرات عسكرية هائلة وامكانات مالية ضخمة وضوء أخضر دولي يستثمر كل ذلك في شن الحرب المفتوحة على شعبه .


ثانيا – هل هناك تدويل للأزمة أم أنها مسألة سورية داخلية؟

الجواب – جرى تدويل الأزمة منذ أسابيعها الأولى فحين تقوم دول الغرب بفرض عقوبات أحادية الجانب ولو بشكل خجول على نظام ما فهذا يعتبر تدويل وحين تقوم دولة ما بدعم مستميت مالياً واقتصادياً وعسكرياً وسياسياً مثل ايران فهذا تدويل وكذلك الأمر حين ينتقل هذا الدعم اللامحدود إلى روسيا وإلى حد ما الصين فهذا تدويل .
اذن الأزمة السورية مدولة بحكم الواقع والذي يجري حقيقة هو خلاف بين مصالح تلك الدول وحساباتها القريبة والبعيدة منع الاتفاق على منهاج واحد للتعامل مع واقع الأزمة السورية . وحقيقة الأمر هذا لم يكن مفاجئا أبدا للعارفين بالخارطة السياسية وقراءة التاريخ المعاصر . فمتى اتفقت الدول على شأن يخص سوريا منذ استقلالها عن التبعية الفرنسية حتى وماقبل ذلك فالذي منح الاستقلال لسوريا في مجلس الأمن عام 1946 هو صراع النفوذ البريطاني – الفرنسي . والذي ضمن استمرار حكم البعث طيلة العقود السابقة هو صراع النفوذ الغربي – الشرقي على المنطقة . والذي ضمن سيطرة سورية على لبنان ولعبها لدور اقليمي هو الصراع الخليجي أو بالأحرى السعودي – الايراني .
كل هذه المعطيات هي حقائق تاريخية وما الانقلابات العسكرية التي شهدتها سورية ووفرتها في عقود الخمسنات والستينات الا نتيجة لهذه الصراعات التي لم ولن تنتهي وذلك بحكم مسألة في غاية الأهمية ( من يقبض على دمشق فهو يقبض على شرق المتوسط ومن ينظر إلى خارطة العالم يعرف تماما أين تقع هذه المنطقة في العالم بإختصار قلب العالم كله في دمشق ) راجعوا خريطة العالم وخطوط الطول والعرض وقارنوها معي في موقع القلب بالنسبة لجسم الانسان .
المطلوب – لن يتحرك العالم لإنقاذ قلبه إلا حين يشعر أن هذا القلب في خطر حقيقي سيؤدي إلى هلاكه تماما أو توقفه عن العمل مما سيؤدي إلى شلل تام لكل الأطراف.
الآن الاعتقاد السائد أن دفع الأمور إلى التأزم وبناء صيغة متكافئة القوى من كل المتصارعين داخل الحلبة السورية بمعنى آخر سوريا ضعيفة هي أمنية بل وحاجة ضرورية للجميع في هذه المرحلة فهي حاجة إيرانية روسية أمريكية وهي ضرورة وأمنية اسرائيلية بعيدا عن نظريات التخوين والعمالة ( الغير مقنعة بالنسبة لي ) . كل ماتتمناه اسرائيل على الدوام هي دول عربية ضعيفة منهكة في أي زمان . وايران وروسيا وأمريكا ما أروع أن تكون بالنسبة لهم دولة محورية كسورية وكرا لتصفية الحسابات فيما بينهم وحديقة خلفية لمكب النفايات وقاذورات الحرب الخفية الكبرى بين أجهزة استخبارات هذه الدول لوضع اليد على مصالح وثروات المنطقة ككل .
والمتضرر الأكبر بوجود سورية ضعيفة مهلهلة هو دول الخليج العربي وتحديدا المملكة العربية السعودية وأوروبا وتركيا . إذ أن حسابات هذه الدول والأقاليم تختلف في استراتجيتها وأهدافها فكل منها يعتبر أن سوريا القوية هي حائط صد متين في البعد الاستراتيجي الاقليمي لمناطق نفوذ هذه الدول . ولذلك ان تحولت من حائط صد إلى جسر عبور للمؤامرات فهي مصيبة المصائب وقمة الكارثة على الأمن القومي لهذه الدول . لذلك كان لهذه الدول وتحديدا السعودية والخليج وتركيا وأوروبا متمثلة بقيادتها الفرنسية – الألمانية – البريطانية . مواقف متشددة من النظام منذ مطلع الأحداث طالبوه بحزم في الانصياع لرغبات شعبه في المباشرة بعمليات اصلاح جدية وحقيقية يضمن من خلالها بقاءه بصيغة تعاقد جديدة بين النظام وشعبه لأن لامصلحة لهذه الدول بإنجرار سورية إلى نقطة الضعف التي هي عليها الآن وهذه الدول حقيقة لم تكن مكترثة لتغيير النظام بل كانت حريصة على تغيير في عقلية النظام لضمان بقاء سورية قوية كحائط صد.
أما على المقلب الآخر متمثلا في إيران واسرائيل تحديدا فلقد كان التهويل على الدوام في أن أي خطوات اصلاحية جدية سيقوم بها النظام ستؤدي إلى تهالكه واسقاطه . وفي المقابل وبشكل سري وبطرق مختلفة يجري دعم النظام للبقاء والتشدد أمام شعبه والغرض هو الوصول إلى نقطة الضعف الحالية التي تقف فيها سورية الآن لأن المطلوب تحويل سورية إلى جسر عبور وحديقة خلفية كما أسلفت .
مايهمنا هنا كثوار هو أن رفع وتيرة الاضطرابات وخروج الأمور عن نطاق سيطرة أحد وحده سيجبر اللاعبين المتضررين وأعني السعودية وتركيا وأوروبا لإطفاء الحرائق لأن أمنهم القومي يصبح في خطر أكيد . وغير ذلك هو كلام انشائي ومجادلات لاتمت للواقع بصلة.

ثالثا – لماذا لم تستمر الثورة في سلميتها للوصول لأهدافها؟

الجواب – لو كان غاندي أو مانديلا مثلا وقومهما تعرضا لعمليات الابادة والقمع الوحشي التي تتعرض لها المناطق الساخنة في سوريا هل كان يمكن لهما الاستمرار في سلمية احتجاجاتهم , أقول لهؤلاء يا أعزائي غاندي المحامي الهندي كان يقارع قوة عظمى غاشمة محتلة لبلده لكنها تخجل من صورة طفل هندي يموت جوعا اذا نشرت في صحافتها المحلية وتتهاوى حكومات فيما لو تم ذلك بحكم قواعد اللعبة الديمقراطية داخل تلك الدول الغاشمة نفسها.
ولو قلبنا الآية أيضاً وسألنا ما الذي أجبر الأمريكيين على الانسحاب من فيتنام أو العراق ألم تكن التكلفة الكبيرة التي تكبدتها أمريكا من بقاءها في تلك الدول ماليا واعلاميا والتي كونت رأي عام ضاغط أجبر الحكومة الأمريكية على اتخاذ قرار الانسحاب.
ولكن السؤال هنا لنفترض أن أنصار النظام السوري هم 20% من السكان أي مايعادل أربعة ملايين واندلعت صدامات مسلحة أو حرب ما ( وبالتأكيد لا ندعو لذلك ولانتمناه بل فقط نفترض ذلك من قبيل الجدلية لا أكثر ) وسقط من أنصارالنظام نصفهم في هذه الصدامات أي سقط مليوني شخص , هل يمكن أن يتنازل هذا النظام عن الحكم والقمع كرمى لعيون من سقطوا في سبيل بقاءه أم أنه سيتاجر بهم وبموتهم ويعتبر مقتلهم حجة أكبر لبقاءه من أجل حماية من تبقى من أنصاره.
المعادلة ببساطة نظام لايملك أية أخلاق لايمكن الاعتماد على أخلاقه لذهابه.
اذن المطلوب – تحاشي التناحر والحرب مهما كانت مكاسبها الآنية لأن خسائرها مع المستقبل أكبر من مكاسبها وبالنتيجة لن تحقق الثورة أهدافها من خلال الحرب والاقتتال ويجب هنا الاكتفاء بالصمود والدفاع عن النفس واستهداف أساسات النظام الاقتصادية واجهاضها وقطع المعونة عن رموزه .
الموت البطيء هو الحل الأجدى والأقوى لهكذا نظام ولايمكن بأي حال أن يتم ذلك بعوامل خارجية فقط بل العوامل الداخلية هي الأكثر فعالية .
فأعمال الشغب واستهداف منشآت أعوان النظام أجدى بألف مرة من الاعتداء على أفراد عائلة موالية أو التعرض للموالين بحياتهم .
لأن استهداف شريان الحياة لرموز النظام سيؤدي إلى قتل الرموز اقتصاديا و بالتالي اندثار الموالين وانفضاضهم عنهم .
كما أن الحرب الاعلامية حاجة وضرورة وقد أبلى الجيش الحر بلاء رائعا في نشره لفيديوهات تدحض فرضية النظام بتحريضه على العنف الطائفي . ومعاملته الحسنة لمن يوقع في الأسر بين يديه من أبناء طوائف مختلفة .
أي أن المعركة هي فقط للدفاع عن النفس و لضرب أفكار النظام الذي يحاول تخويف أبناء الطوائف ممن سيخلفه .
الهدف يجب أن يبقى هو بناء دولة مدنية وابتعاد العسكر عن الحكم مهما كانت تضحياتهم لأجل الوطن . والمدنية القادمة ليست بالضرورة هذه المعارضة التي نراها الآن تتشدق على الفضائيات هنا وهناك . المدنية القادمة التي ستقودنا هم أبناء الجامعات والمدارس الذين أوقدوا الثورة وكانوا أبناءها منذ البداية ومازالوا هم وقودها .
نحن نعمل لأن يقودنا أطفال مدرسة درعا الذين قلعت أظافرهم وأطفال بابا عمرو والخالدية والميدان هؤلاء هم حقيقة من سيبني سورية التي نحبها ونعشقها ونريدها منارة بين الأمم . لا لكي يقودنا نزلاء فنادق الخمس نجوم وتذاكر الدرجة الأولى .
وسياج الوطن سيبقى أولئك الذين حملوا أرواحهم على أكفهم من أجل هؤلاء الأطفال ( القادة الجدد ).


بالنتيجة الاستراتيجية المقترحة تستند على مايلي:

أولا- التظاهرات السلمية لاتسمن ولاتغني من جوع وهي تنفع مع حكومات العمال في لندن لا مع حكومة البعث في دمشق.
ثانيا – المطلوب تحويل هذه التظاهرات إلى أعمال شغب عام يعم كل المناطق والبلدات السورية والاستيلاء فورا على مركز الخدمة العامة للمجتمع ووضعها تحت تصرف الشعب من محطات كهرباء وينابيع مياه وبلديات ومراكز جباية ومراكز قضاء ومراكز شرطة , يترافق ذلك مع عصيان مدني شامل وقطع طرقات و اغلاق متاجر وشلل تام للحياة العامة يؤدي إلى شلل اقتصادي تام للبلاد.
ثالثا – دعم الجيش الحر وخاصة وسائل الاتصال المتطورة كي يبقى نواة متكاملة لجيش سورية القادمة . ولايتحول لميليشيات تسيطر بشكل متفرق على بعض المدن والبلدات.

رابعا – اقرار مبدأ الدفاع عن النفس ورفع تكلفة القمع من قبل المهاجمين لأي منطقة أو بلدة . مع التنبيه لعدم الانجرار لأي أعمال انتقامية الا تحت سلطة القضاء وحتى لو كان هذا القضاء عشائري أو وجاهي في المرحلة الأولى . المهم عدم تطبيق أي عقوبة على أي كان بدعوى الانتقام.
خامساً – الخط الأحمر عدم الانجرار لفتنة طائفية أو مذهبية فهذا هو حبل النجاة الوحيد للنظام وهي العباءة التي يستتر بداخلها.
سادساً – يمكن للعرب المناصرين أو للدول الصديقة للشعب السوري ( إن وجدوا أصلا ) تقديم الدعم بالضغط الاقتصادي الحقيقي على النظام وعلى الدول الداعمة له وتقديم الدعم اللوجيستي والاعلامي للثورة والجيش الحر . والتوقف تماما عن طرح وجهة نظر النظام في أي محفل مما يضيق عليه الخناق وارهاقه.
لم تعد نظرية الرأي والرأي الآخر مجدية هنا فهي تحابي الجلاد على حساب الضحية.
وللحديث تتمة بإنتظار مناقشاتكم وآرائكم


—————————————
عبد الملك بن مروان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق