الخميس، 23 فبراير 2012

الطفل الشهيد حمزة بكور ، وجه البلد الممزق

في يوم تكالبت فيه قوات الأسد بعد جلسة الأمن فاشلة بفعل الفيتو المزدوج من المجرمين الروسي والصيني، اقتحمت قذائف العهر الأسدي بابا عمرو ، فنسفت أجمل ما في الغرفة ، اللوحة ذات المنظر الهادئ وإناء الزهور ووجه الطفل حمزة…

قبل لحظات كان يصرخ ويكبر الله أكبر ، كان ينادي أمه أن تحميه ، قبل أيام كان يردد أناشيد المدرسة، أما الآن فهو طفل بنصف وجه…
واختلطت القذائف مع الصواريخ مع الرصاص، فطيرت رصاصة متفجرة فكه السفلي وأبقته بلا لسان وبلا ابتسامة، مجرد رقبة معلق بها نصف رأس وعينان مندهشتان لا تصدقان أن نصف فك قادر على الكلام دونما نطق أي حرف… نصف وجه قادر على التعبير عن الألم دونما صراخ وأنين، عينان بلا ابتسامة أو شفاه قادرتان على وصف القهر والظلم…
وتم نقل الطفل حمزة إلى غرفة انقلبت مشفى ميدانياً وسمت بحيرة أنها ملاذ وفيها يكمن الشفاء، وأمام نصف قمر ممزق، انهار عزيمة الطبيب رغم تماسك قامته ونبرة صوته الغاضبة، وحدها الأحلام كانت تنفع، فقد حلموا جميعاً بأخذ حمزة إلى مشفى غربي فيجروا له عملية ترميم وجه، زراعة فك، أي شيء يعيد البسمة إلى روحه وعيناه المندهشتين… يخطر ببال الطبيب متمنياً لو أنها رصاصة عادية، لكان استخرجها بملقط ثم قطب الجرح وضمده، كان سيتعافى وسيغني مع الوقت أناشيد الحرية، أي مجرم يطلق رصاصاً متفجراً نحو شعب مدني غير مسلح؟ رصاصاً متفجراً إن اخترق الذراع قطعها… ثم يسأل الله مباشرة: هل اسرائيل أرحم من سلطة الأخ على أخيه عندما يستخدمون رصاصاً مطاطياً؟ ثم يتمتم بغضب: النية ليست الردع أو القتل ، النية ليس الإجرام ، النية هي التشفي والتلذذ بقهر الشعب تحت حذاء رئيس السلطة….
أما حمزة فظل يتلفت في المكان عله يجد من يخبره حقيقة ما جرى له، يريد أن يشرب ولكن كيف؟ يريد أن يزفر الهواء متأوهاً ولكن كيف؟ يريد أن يبكي ، وحده البكاء كان متاحاً له في هذه الحظة ولكن مشاعره اختلطت عليه بأثر هول الصدمة، فيخاطبه الطبيب مترحماً “لا تعيط” ، فيبكي على أثر ذلك كل من كان حاضراً إلا حمزة، فحتى البكاء حرم منه، وربما كانت دماءه المسكوبة على صدره وكنزته هو وسيلته الأخيرة في التعبير عن الحزن والألم…
وفي داخل الغرفة، تجرأ أحد الناشطين أن يكسر خجله أمام رجولة الطفل فقام بتصوير وجهه وبثه إلى العالم ليشهدوا فجيعة هذا الطفل ، وفجيعة كل من يقف معه دون حيل أو قدرة على المواساة… أما من شاهد مقطعه المصور فأول خاطرة بنطقها هي أمنية أن يريحه الموت سريعاً ويريح معه ضمائر كل من التزم الصمت خياراً للنجاة وعذراً لتغطية العجز والجبن… جلس حمزة قبالة الكاميرا وعيناه تحكيان قصة سوريا التي اغتصبها آل الأسد وأعوانه من المرتزقة الذين أمسكوا اقتصاد البلاد ومفاصل جيشه وأمنه…
عينا حمزة تخاطبا للعالم: انظروا إلى لساني المتدل على صدري وإلى حلقي المهدم وإلى حلقي المغتصب، انظروا إلى وجهي الممزق فهو يختصر قصة سوريا المسلوبة من قبل تلك العصابة التي سرقت من جيوب السوريين بقدر ما بقي ما فقدت لحماً وعظماً من رقبتي حتى أنفي… عيناه تقولان بحرقة: سرقوا ابتسامتي ولساني وأسناني، سرقوا اللقمة والهواء، سرقوا وجنتي اليمنى واليسرى، كيف ستلامس شفاه أمي وجهي لتطبع لي قبلة محبة أو رضا؟ ماذا ضل من سوريا ليغتصبوه؟ عيناي بلا دمع؟ جبهتي مكسورة الخاطر؟ لن تركع جبهتي إلا لله…ثم تسأل عيناه بحرقة: هل سوف أنمو وأكبر ويبرز في وجهي شاربان ولحية؟ وكلما حاول أن يسأل بعينه بكى كل من حوله من الرجال وهم حقيقة لا يقدرون معه غير البكاء، فمصيبة حمزة ليست وجهه فقط، بل عجز الأمم المتحدة بأسرها على نصرة شعب تخترقه رصاصة دونما ضجيج عالمي يخرس صوت السلطة الغاصبة.
في صباح اليوم التالي انطفأت شمعة الطفل لتحل الرحمة والسكينة على نصف وجهه السليم الذي بقي شريداً ووحيداً فوق حافة جرح بدا وكأنه جرف عميق وواسع يرمز إلى حرية لن تأتي بأيادي مغلولة داخل جيوب الخجل والضعف…

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق