الخميس، 8 مارس 2012

نعم… الثورة لافتة عريضة وليست عريضة إجابات

يغمز أبواق النظام بين حين وآخر أن “الثورة ليست مجرد شعارات وهتافات”. محض هراء وهذيان من هزته كلمتين رفعها طفل على لوح ملطخ بالبؤس، وارتعاد من يخاف أن يصح ما يقال.
إنتبهوا… يبطن هذا النكران الكثير من الاعتراف بمتابعة كل كلمة تصدح بها الحناجر وكل مفردة ترفرف على لوحة. هم أشد المتابعين
والموثقين والمرتعدين مما يجود به السوريون. فلا ننفك نراهم على الدوام يستحضرون بعض حكم الثورة وعناوين شارعها العريضة ليسفهونها ويسطحونها وما إلى ذلك من توجه يشي بالكثير من الخوف من كلمة يكتبها ثوار الأرض أو يشقوا بها صمت سنين الظلم.

الثورة هدف، وليست خطاباً يعج بالمبادىء والنقاط والتنويهات والملاحظات. الثورة مبدأ واحد تحمله غالباً مفردة واحدة تندرج تحت هرمها العديد من المعاني التي تتسق مع المعنى الأم وفي الحالة السورية هو… الحرية.
لكن بلغ التشدق بالمؤيدين وحتى الكثير من مناصري الثورة بأن على الثورة أن يكون خطابها واضحاً… أي خطاب؟ ما هذه الرفاهية في الطرح؟ لم يذكر التاريخ أن الثورات الشعبية تقدم برامج إنتخابية وإجابات مطولة لأسئلة غير منتهية. ماذا قال التونسيون والمصريون غير “الشعب يريد إسقاط النظام”؟ عندما قامت الثورة البرتقالية في أوروبا الشرقية لم يطالبها أحد بأن أخبرينا ما تصورك عن وضع الأقليات في البلاد بعد الثورة. وعندما هاج الفرنسيون في ثورتهم الشهيرة لم يوقفهم أحد وهم في طريقهم لدك حصون الباستيل أن سيكون حكمكم ديني أم علماني؟

وصل التجني إلى حد مطالبة الثورة بأن يكون لديها تصور أو فكرة عن أي منحى من مناحي الحياة. وإن طالت الثورة بعض الشيء سترى من يسألها ما تصورك عن مناهج التعليم ما بعد الثورة؟ بماذا ستستبدل أناشيد البعث؟ ما رأيها في وضع البنوك الخاصة؟ ما رأيها بتوقيت نشرة الأخبار؟ وربما ما رأيها بمعاهدة كيوتو للحد من الانحباس الحراري؟
فنرى منذ الأيام الأولى كيف خرج هواة العرقلة وابتداع المطبات بأسئلة بأن ما موقف الثورة مثلاً من حزب الله؟ طبعاً عندما خرج الناس إلى الشوارع، كانت هذه الشوارع ما تزال تحمل صور نصر الله ولم يكن حزب الله في حساباتهم لا من قريب ولا من بعيد لولا أن زج نفسه طرفاً.

أيا ثورة إن الشعارات والهتافات لا تكفينا… فأدخلي الطمأنينة إلى قلوبنا عن وضع الأقليات والطوائف وطبيعة الحكم وشكل الدولة. أسأل هنا، كيف تُطمئن وهي التي لم تطمئن إلى وضعها بعد؟ الثورة ليست ماكينة إجابات، ولا هي مضطرة للإجابة على كل سؤال متأكىء على راحة وثيرة، وآخر طرأ على بال أحدهم بعد سنة من الثورةـ، أو رآه في منام. الثورة في طبيعتها ليست إجابة، إنها سؤال كبير وإشارة استفهام أكبر عن الوضع الراهن المرفوض.

نعم… الثورات لافتات ترفع وهتافات تصدح، وأضاف إليها السوريون أهازيج قاشوشية تهز وجدان أصحاب الحق بالأمل والظالمين بالجزع. الثورة مطلب يعلنوه في العلن بعد أن دفنوه في خبايا النفس. هل هناك أنبل من أن تعبر عن غضب عارم معتمر في الصدور لسنين بصوت أو بلافتة؟ هذا فعل ملائكي بامتياز.

من يستخف باللافتات علناً، وأنا أجزم أنه يقدرها في سره، يعرف يقيناً أن العبرة بمن يحملها ويتمسك بمضمونها حتى الموت. هي بكل دقة وزارة إعلام الشارع. ما يشرحه أي مؤيد للثورة على الشاشات لساعات توجزه عامودة بكلمتين بليغتين. ما يخرج من اتهام للثورة في هذ الصحيفة أو تلك تفنده كفر تخاريم بكلمتين بليغتين. ما يستجد من أحداث على أرض الواقع تعلق عليه كفرنيل بكلمتين بليغتين. ما يسوقه النظام من تزوير وبهتان تكذبه الصنمين بكلمة واحدة بليغة. وحين يستوجب الأمر شد الهمم والمناصرة، يتوحد الجميع في إعلان موقف حاسم من كلمتين بليغتين “حنّا معاكن للموت”.

لافتات لخصت كل السياسة في كلمات لا تخلو من سخرية مريرة، ومرة أرادوها عامية وفي أخرى فصحى. لافتات كتبت بالإيرانية والروسية والصينية لتخبر بالوجع أو تهجو من يعزز هذا الوجع. لافتات أصبحت البوصلة التي تعلن طريق الثائر السوري نحو الهدف المنشود. هدف وحيد وجلي لأنه محفور بمآقي العيون. الحرية.


——————————-

آدمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق