الاثنين، 27 فبراير 2012

اي والله في طائفية! شلون عمتقولوا مافي؟!

لا يمكنك فهم ما جرى في سوريا, ما يجري, وما سيجري مستقبلاً, إلا بالأخذ بعين الاعتبار التركيبة الطائفية والمذهبية للمجتمع السوري. ومن اختار غضّ بصره عن ذلك, سيبقى متخبطاً بالتحليلات والاستنتاجات الخاطئة لإغفاله عاملاً أساسياً من العوامل التي تحرك الشعب السوري. وبالرغم من إمكانية تعميم النظرة السابقة على العالم بأكمله, وليس سوريا فقط, فلا داعي هنا لمد بصرنا إلى ما لا نستطيع تغييره, أو محاولة ذلك (التغيير) على الأقل.

جميع الـ “منحبكجية”, ونسبة لا بأس بها من الـ “ثورجيين”, يملكون مفهوماً خاطئاً لمصطلح الطائفية, ناتج عن جهلهم به ربما, أو عن خوفهم الشديد منه, جاهلين أنّ ما تعيشه بلادهم, منذ استلام الأسد الأب للحكم وحتى عام من الآن, كان غلياً للنسيج الطائفي السوري داخل وعاء الوطن, وما بدأ يحدث منذ بداية الثورة وحتى هذه اللحظة, ما هو إلا بداية انفجار ذلك الوعاء بما يحويه, وكل ما فعله ممثلين الطوائف المختلفة في كلتا المرحلتين ما هو إلا محاولات ساذجة لتأخير ذلك الانفجار, أو التعتيم عليه بما يزيد من عمر فترة “تعايش الطوائف” المقارب على الانتهاء.
ترى أولئك كلهم يرفضون فكرة الاعتراف بكل الحقائق الطائفية التي لا تقبل الشك في المجتمع السوري, بل ويتهمون من يتكلم بتلك الحقائق, التي لا تحتاج إلى ذكاء خارق لكشفها, بالطائفية ذاتها. فبالنسبة لهم, مجرد الإشارة لأي طائفة في أي حديث سياسي ومهما كان سياقها, هو عبارة عن “طائفية”! ومن يفعل ذلك يكون بالتالي شخص طائفي يجب إقصاء فكره فوراً وإسكاته.
نعم, إنهم مخطئون! يخلطون ما يتمنون وجوده مع ما هو موجود أصلاً, أو يعجزون عن تقبل سوداوية واقعهم المر. لم يدركوا أن وجود الطائفية في جوانب الحياة المدنية في المجتمع السوري هو حقيقة واقعة, وأن الاعتراف بذلك الوجود والتكلم عنه مختلف تماماً عن الموقف منه بالرفض أو القبول. وعلى الرغم من وجود العديد من المنشورات التي تشرح بشكل موسع مدى تغلل الطائفية في النسيج الاجتماعي السوري, سأكمل ما أكتبه بالحديث عن طائفية النظام وطائفية الثورة, كنوع من “فشّة خلئ” لا أكثر.
دعوني أولاً أوضح مفهوم الطائفية كما أفهمه, وكما أقصد به في حديثي هنا. بالنسبة لي, فالطائفية مفهوم يعبر عن حالة ارتباط الحوادث السياسية, وكل مكونات الدولة بطوائف أبنائها, فيكفي وجود دلائل على تأثير طوائف المجتمع بإحدى فعالياته الاجتماعية حتى نعتبر ذلك المجتمع طائفي بالنسبة لتلك الفعالية الاجتماعية, وهي قطعاً ليست المعاكس الحرفي للعلمانية.
إنكار طائفية النظام من قبل الـ “منحبكجية” أمر طبيعي, لكن إنكار ذلك من قبل بعض الـ “ثورجية” هو ما يدمي القلب حقاً! فكيف لنظام يمسك أبناء طائفته جميع مفاصل الحياة الاقتصادية والسياسية والفكرية ألّا يكون طائفياً؟ وكيف لنظام يرتكز على جيش سواد قادته الأعظم هم من أبناء طائفته ألّا يكون طائفياً؟ وكيف لنظام يسمح بتسلط أبناء طائفته على غيرهم من الشعب ألّا يكون طائفياً؟ يطول الحديث عن دلائل طائفية النظام… لعل أهم دليل هو دفاع العديد من مؤيدي النظام عنه انطلاقاً من دافع طائفي (العلويين) أو بسبب خوف طائفي (باقي الأقليات)… ويبقى خروج أحد الثوار وتشدقه بأننا في سوريا “لم نعرف الطائفية يوماً” يستفزّ كل جوارحي وحواسي.
وبالمثل, نجد كثير من الـ “ثورجيين” ينكرون طائفية الثورة, سواء من حيث كونها بشكل أساسي ثورة على حكم طائفة النظام, أو من حيث كون ثوارها محصورين بطائفة معينة. فلا جدال بأن أغلب المظاهرات تخرج من مساجد طائفة معينة, ولا شك بأن الغالبية العظمى من شهداء الثورة ينتمون لتلك الطائفة, فمثلاً, لا مجال لإنكار تركز المحجبات في المظاهرات المعارضة وغير المحجبات في المسيرات المؤيدة! وفيما يصر كثير من الـ “ثورجيين” على اعتبار الثورة بعيدة كل البعد عن الطائفية, يدرك جميع الـ “منحبكجية” ذلك, ولعل ذلك من أهم أسباب تمسكهم بذلك النظام.
فالطرفان, بشكل عام, ينكران الطائفية عنهما, ويلصقانها بالطرف الآخر, بل ومستعدان لتخليهما عن الدين بأكمله في سبيل اثبات ذلك! ولعل انكارهما ذاك من أهم الأسباب التي تدعم تناميها, فالبيئة الخصبة لنموها موجودة في ظل التعتيم الإعلامي عليها. والمفارقة المضحكة أن كل منهما يسعيان لتسليط الضوء على أمور هامشية لديهما, ليظهرانها على أنها قمة مشكلاتهما الطائفية, كانتقاد الـ “منحبكجية” لاحتكار منصب الرئيس من قبل المسلمين, وهجوم الـ “ثورجيين” على الحركات المعروفة عالمياً بتشددها الاسلامي كالـ “قبيسيات” والـ “سلفيين”.
قد يظهر منكم الآن من يعرف حالات عديدة تدحض كل ما قلته في الأعلى عن الطائفية, بل ويتهمني بالطائفية ذاتها التي أتحدث عنها! فيكون كمن صادف نهراً حلو الماء, فاعتقد أن ماء الأرض كله حلو, ولم ينتبه لملوحة مياه البحار والمحيطات التي تشكل السواد الأعظم من مياه الأرض!
للأسف, لا أرى مجالاً للهروب من الطائفية في المستقبل القريب, فالمواطن السوري, كما يبدو, لم يملك الوعي الكافي بعد لتحييد تأثير طائفته على خياراته السياسية والاجتماعية. وبالرغم مما قد يعني ذلك من سوداوية الأيام القادمة, إلا أنه ليس مبرر أبداً للتنكر لتلك المشكلة.
أنا لا أتهم هنا تمسك الناس بدينهم بأنه السبب بالطائفية, فأنا أؤمن بأن التدين الصحيح هو السبيل لحل جميع مشاكل المجتمع, ومن ضمنها الطائفية. لكن مع تصاعد الفهم الخاطئ لتعاليم الدين, وازدياد حالات التطرف الديني, وظهور حالات عديدة لاستغلال الدين, وجب على كل مواطن سوري التفكير عشرات المرات قبل أن يتخذ قراراً مبينياً على توجه ديني صرف, وربما كان تحييد رأيه الديني أنفع للمجتمع من اعتماد رأي ديني سطحي وغير أكيد.
قرأت مؤخراً سلسلة مقالات للكاتب “محمد بن عبد الرحمن اليحيى”, أنصح الجميع بالاطلاع عليها… كما قرأت مقالة للكاتب “مصطفى خليفة” بعنوان “ماذا لو انتصر الأسد؟” تحوي تصور واقعي لما قد تؤول إليه الأوضاع الطائفية في أحد سيناريوهات انتهاء الثورة, ربما قد تساعد على استيعاب مدى تغلل الطائفية بيننا.
بالنهاية, كمواطن سوري, ما زلت آمل بتغيير هذا الواقع, وما زلت أرى قابلية لذلك, أراه بإقناع الجميع بأن النظام الديمقراطي الحقيقي لا يقف عند دين معين, ففيه لا يهم طائفة رئيس الدولة, ولا طائفة وزرائه ونوابه وقادة جيشه, فيه كل الحقوق مصانة, وكل فئة تعبر عن نفسها بحرية مطلقة من خلال التنظيمات الديمقراطية الحقّة, وفيه لن نضطر أبداً للتفكير بمشاكل كالطائفية…
ملاحظة: أنا مالي منحبكجي! ولا محايد!! :)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق