الثلاثاء، 21 فبراير 2012

سوري وعراقي


في صدفة ما .. دار حديث بيني وبين اخ عراقي في دولة ثالثة .. كلانا نعمل ونعيش في تلك الدولة ..
من وين : من سوريا .. وانت .. من العراق ..
شو هجرة .. اي والله .. هاي عاشر مرة اتقدم بها لامتحان ايلتس ( اللغة الانكليزية ) وارسب .. مطلوب مني 7.5 من تسعة .. والله صعبة اني احصّلها .. هذا ما قاله الاخ العراقي ..
وانت .. مطلوب منّا 5 من تسعة .. طلب الهجرة باسم زوجتي وبالتالي هي من تقوم بالامتحان .. هذا ما قلته انا السوري …
رد عليّ .. سهله عليكم .. اذاً انتم جامعيين ولديكم اقارب في كندا لذلك لديكم مجموع اعلى من الدرجات في الشروط والمعايير الاخرى
.. قلت له نعم صحيح ..

قال لي انا لست جامعي وليس لدي اقارب في كندا .. ولكني سوف استمر بالمحاولة مهما كثرت وطالت ..
ما علينا .. دخلنا بالجد ..
شو ســــوريا .. !!؟؟ ها.. عراق ثاني .. واسفي ؟؟؟
قلت له .. لا يا رجل .. سوريا من سلالة الربيع العربي وليست من مكاسب الغزو الامريكي ..
قال .. هذا حكي .. وباللهجة العراقية .. حشي … كلهم واحد ..
لم يعجبني الجواب كثيراً .. ولكني لم اجادله ..
رجعت عليه بسؤال يتعلق بهذه الصدفة .. لماذا انت مهاجر ؟؟ رغم معرفتي الضمنية بالجواب ..
قال : ليش .. خلص العراق ما عاد ينعاش فيه .. خرّبوه للعراق .. والله صعبة كثير علينا انه نهاجر ونترك العراق ..
اجبته .. اي والله ..وصعبة علينا كمان ..
قال : انتم السوريين متعودين من زمان على السفر والهجر ما تفرق معاكم
حنّا العراقيين ما كنّا نسافر ولا نهاجر خارج العراق .. الناس من برّا كانت تجي للعراق ..تشتغل فيه وتعيش عندنا ..
حينها لمّني الصمت قليلاً .. او ربما غمزني الماضي بعينه الباكية من كثرة الفراق والوداع .. واجبته بشيء من الحسرة .. والله يمكن معك حق
ما علينا …
سألته لماذا انت متشائم من الربيع العربي … ولماذا تعتبر سوريا عراق ثاني او ثالث .. الخ
قال لي .. اذا صارحتك يمكن تزعل .. انا لي رأي خاص بذلك …
قلت له .. لا يا رجل .. تكلم بما تشاء … ليش الزعل ..
قال .. كل الشعوب والدول .. دول الجوار للعراق وشعوبها والتي شاركت بضرب وتدمير العراق وتسهيل الغزو الامريكي والتعاون معه واضعاف العراق كدولة والوقوف ضده .. كل هذه الدول والشعوب ومنها سوريا طبعاً .. راح يصيبها ما اصاب العراق من تهجير واقتتال وسفك للدماء وسقوط الدولة … يمكن هذا نوع من عقوبة السماء لهم في الارض .. او نوع من الجرائم التي ارتكبها الناس بحق اخوتهم وجيرانهم واليوم تعود عليهم هذه الافعال بالضرر والمأساة …
قلت له يا رجل .. وين صرت .. اصلاً كل الشعوب المجاورة للعراق لا يد لها لا من قريب ولامن بعيد في انتاج القرارت السياسية المصيرية للدول التي كانت تعيش بها .. انها الانظمة فقط من يتحكم بالقرار والسلطة والشعب ايضاً .. وهذا ما تحاول الشعوب الان تغييره واسقاطه ..
ومن ثم للعراق قصة ورواية واحداث مختلفة … فقط هناك ديكتاتورية اخرى تتشابه بالاستبداد والقمع مع هذه الانظمة .
لم يعجبه الكلام كثيراً .. او لم يقنعه … وهو ابن العراق الذي سقط به نظام صدام حسين الديكتاتوري الاستبدادي منذ اقل من عشرة سنوات تقريبا .. والاوضاع هناك تذهب من سيء الى اسوء .. والافاق لا توحي بالامل القريب .. ولا امن ولا امان في العراق الجديد .. ولا حرية كانت منشودة ولا تعددية كانت سابقاً مستحيلة ولا تداول للسلطة كانت ضرباً من الخيال والجنون تشعرهم الان بالتجديد والتغيير والعدالة والكرامة وحتى الانتماء لهذا العراق الجديد .. وها هو الان يسعى للهجرة بكل احزانه وما تبقى من طاقاته …
ثم استرسلت بالحديث قليلاً .. قلت له يا اخي ان مصيبة العراق الرئيسية هي الطائفية .. بين الشيعة والسنة .. ومن يغذيها ..ونظام المحاصصة في تداول السلطة المبني على التعددية الطائفية لا السياسية هو من يدمر العراق ويبعث على عدم الاستقرار وعدم ممارسة الديمقراطية الحقيقية .. وعدم الاستفادة من اجواء الحرية والتغيير التي طرأت على العراق الجديد في ممارسة الحقوق والواجبات .. اضف الى ذلك الاحتلال الامريكي وتأثيراته على الداخل العراقي وفرقائه لسنوات طويلة .. وتضارب المصالح الاقليمية لدول الجوار وتدخلاتها المؤذية في شؤون العراق او عدم تدخلها بما يحمي العراق ويصونه ويعينه في تلك المراحل.. وربما ان الوقت والظروف المقبلة سوف تكون في صالح العراق بعد ان يكون قد قطع شوطاً كبيراً في المحن والتقلبات والتجارب والنضوج السياسي …
لم يعجبه الحديث او التحليل كثيراً ورد قائلا ً ..
لا يوجد طائفية في العراق .. لي صديق عراقي معي في العمل .. هو يصلي وفق المذهب السني وشقيقه يصلي وفق المذهب الشيعي …وانا اتكلم بذلك امامك واشهد عليه وانا من الطائفة المسيحية .. كلها لعبة كبيرة وسخة وراؤها اسرائيل اولاً والتي لن تنسى السبى البابلي لليهود وهي تنفذ ذلك المخطط بالانتقام من العراق والشعب العراقي بواسطة امريكا وعملاؤها وجواسيسها وتقوم بتحريك الحساسيات الطائفية والعرقية واللعب على اوتارها بأخبث الادوات والوسائل ..
.. وايران ثانياً و التي تبحث عن العظمة والنفوذ .. الفارسية . .. الحاقدة على العرب .. والتي لن تنسى هزيمة الامبراطورية الفارسية وسقوطها على يد العرب الفاتحين .. ومعركة القادسية .. حتى انها لا تحب الشيعة العرب وانما تستخدمهم كأدوات وتستغلهم لتحقيق مصالحها وطموحاتها وانتقامها من العرب عموماً والعراق خاصة ..
اخافني هذا الكلام .. واستغربته نوعاً ما .. ولكن بين الحيرة والرغبة بالتصديق وعدم الاقتناع الكامل وعمق هذه المؤامرة ان صحّت وايضا حسب ما اراه واسمعه لدى الكثير الكثير من انظمتنا وشعوبنا ايضاً بالاستناد دوماً الى المؤامرة الخارجية والتعويل عليها لانقاذ ماء الوجه وتبرير الفشل والسوء والكذب والقصور الذي يعترينا .. وجدت نفسي التزم الصمت والتفكير ..
في النهاية .. اي نهاية هذه الصدفة العابرة .. تمنيت له التوفيق والنجاح بامتحان ايلتس من اجل التقدم خطوة جديدة نحو الهجرة .. وتمنيت للعراق الامان والاستقرار والعزة والكرامة والحداثة .. وهو من جانبه تمنى لي ولسوريا نفس الامنيات ..
ربما كانت كندا مستقبلاً هي البلد الذي يجمعنا في وطن واحد وجنسية جديدة واحدة .. يا للقدر .. او يا للمهزلة .. كندا ستجمعنا وتوحدنا في دولة واحدة وجنسية واحدة .. ومصير واحد .. هذا الحلم العربي القديم والكبير في الوحدة وخاصة لدى جناحي البعث العراقي والسوري .. ها هي ثلوج كندا وبردها وبعدها وغربتها .. تصنع لنا المستحيل بكل بساطة .. فقط لانك اكتسبت حقوق المواطنة الكندية واصبحت من ابنائها الجدد ..
لا شأن لهم بديانتك .. او طائفتك .. او حزبك .. او ثقافتك .. او لونك .. او اراؤك .. ما دمت تحترم القوانين وحرية الاخرين ولا تعتدي على احد ولا تمارس العنف حتى على اقرب الناس اليك .. فانت مواطن كندي .. مواطن جيد او مواطن سعيد .. ما يهمهم مواطن يحب ويحترم او فقط يحترم الدولة والقانون .. وله بعد ذلك كل الرعاية والاحترام والحرية والحقوق ..
قد لا تشعر بالانتماء ابداً لهذا البلد .. وربما يلزم اجيال لذلك الشعور من بعدك .. ربما وليس ربما .. وانما من المؤكد والموجع ان يبقى الوطن الام حاضراً في الذاكرة .. له كريات عشق تجري في دمك .. له دمعتين حنونتين تسقطان دائماً على ذكره .. لك رغبة عارمة صامتة في العودة .. له اهلك وناسك وارضك وطفولتك وشبابك واحلامك .. له موتك المعذّب بعيداً عنه ..
هي سوريا .. تلك تونس .. وهذه مصر .. ليبيا واليمن والبحرين .. هو العراق .. وتطول قائمة العرب .. هي فصول التغيير … ربيعها وخريفها … صيفها وشتاؤها …
ما يمكننا جميعاً فعله في سوريا على الاقل .. وما يمكننا التأكيد عليه .. والتمسك به .. والتضحية من اجله ..
ما ينقذنا جميعاً ودوماً ..
هو رباط واحد يشدّنا بعضاً الى بعض ..
هو دم نقي ننقله بين اوردتنا و في شرايين عيشنا ..
هو شعار جمع السوريون سابقاً ويجب ان يبقى دائماً …
الدين لله و الوطن للجميع …


——————————

اشرف نكد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق