الاثنين، 13 فبراير 2012

الوهم المنفوخ


فتحت عيني على الدنيا لأجد شيئا يسمونه حافظ الأسد، صوره في كل مكان، أقواله مسطورة على الجدران، هو الأب وهو القائد وهو الحكيم وهو العاقل هو العسكري وهو المنتصر وهو المربي هو الذي تخشاه أعتى الدول وهو رمز الأمة وهو المؤبد الخالد، لم يصور لنا يوما أنه بشر، صور لنا أنه فوق البشر وفوق الوطن، في الحقيقة صور لنا على أنه إله وإن لم يجرؤ أحد على تسمية الأمور بمسمياتها، لم يكن أحد يتجرأ على نقده ولو ممازحا بينما الإله كان عرضة للكلام البذيء في السوق والسرفيس و المدرسة وكل مكان، ظاهرة و إن بدت غير مرتب لها لكنها كانت معبرا حقيقيا عن حال غالبية السوريين حينها، الحقيقة أن الناس كانت تخاف حافظا أكثر من خوفها لله، ولنقل بصراحة أكبر أنه كان الههم الحقيقي وان صاموا وان صلوا، ولا ننسى في هذا المقام ظاهرة منع الصلاة في الجيش في مقابل نشر ألفاظ الاساءة لله
تعالى واتمام المعادلة بتلقين الجندي التسبيح بحمد القائد الخالد صباح مساء لينتج عن هذه الثلاثية السوداء ما يسمى الجيش العقائدي.
وهكذا حتى دور العبادة سميت بمعاهد الأسد، وحين مات ابن الأسد فقد رقي شهيدا مباشرة، أما حين مات الاله فكان لا بد أن يرث السوريين من هو من نسله فابن الاله اله، وهكذا وبعد أن بكى العبيد الههم وفي لحظة سوداء من التاريخ عمد العبيد الههم الجديد، ليثبتوا أن روح العبودية هي التي تقودهم في حياتهم، أما في أقبية السجون حيث يقبع المتمردون على هذا الاله كنا نسمع بألفاظ التوبة التي يلقنها اياهم الجلادون، من ربك، من الهك، اسجد لبشار… كنا نتعجب من فلسفة التعذيب هذه ونظنها مجرد اهانة واذلال، لكن الحقيقة اعمق من ذلك.. لقد تمردت على الاله وعليك أن تعود إلى حظيرة الطاعة، ولا بد من التلفظ بتوحيد الاله كفاتحة للتوبة النصوح.
هكذا كانت بلادي وهكذا كان الناس… حتى اطلقت لا في وجه الاله الوهم… أطلقها الأحرار ليتخلصوا من أغلال الوثن الثقيل فوجودا أنفسهم في فضاء رحب لم يعهدوه يوما.. اكتشفوا ماذا يعني ان تكون انسانا… ولامست قلوبهم الحقيقة التي خلقوا لأجلها… فأبوا أن يعودا إلى عهد العبودية المشؤوم.. وهكذا كان.. أرغى الوهم وازبد… وسلط عبيده على الأحرار…ففضل الأحرار الموت والنار على العودة لحياة العبيد… عبيد الوهم بعد أن هز عرشه الأحرار يحاولون النفخ في الوهم ليعيدوا له سطوته على القلوب… فهو الوطن حينا وهو القوي حينا وهو الممانع حينا وهو من تآمر عليه الكون فانتصر وهو هو… ومن حيث لا يدرون رسموا لالههم الوهم صورة ممسوخة مقيتة…ومع ذلك لا يزالون له عابدين..
أما سر وفاء العبيد.. فهو الوفاء لحياة العبودية الطويلة التي لا يحسنون غيرها… هل هناك استخفاف بالانسانية أكبر من أن يحمل مجموعة من الناس صورة شخص ليفتدوا به أنفسهم … ولا ميزة لهذا الشخص سوى انه ورث هذا القطيع عن أبيه… لا فارق البتة بين العقلية التي انتجت هذا النوع من الوفاء عن عقلية وفاء الجاهلي للصنم الذي كان يصنعه بنفسه ومن ثم يقدم له القرابين…
مابال الطغاة يصرون أن يوهموا أنفسم بأنهم الهة؟.. ما بالهم في كل زمان يصرخون أنا ربكم الأعلى… ما بالهم يقولون أنا أحيي وأميت.. وما بال العبيد قد أدمنوا عبودية الأوهام..ينتقلون من فرعون إلى ابنه و لا عجب بعدها أن يعبدوا عجل السامري إن تحرروا من فرعون…
أما تحطيم فرعون أما تحطيم الصنم أما تحطيم الوهم الممسوخ فتختصرها كلمة واحدة تقلب العبيد في لحظة أحرارا..لا…لا أيها الوهم لست الها…ما أنت إلا مسخ جبان.. لا لن أعود لحظيرتك…لا …لا…إلهي هو من أعطاني حريتي..إلهي هو من أعطاني كرامتي إلهي هو من يحبني إلهي هو من يرحمني إلهي هو من زرع العزة فيّ إلهي هو من أشكو له همي وغمي إلهي هو من يغفر لي تقصيري…لا أيها الوهم لا..أنت أحقر بكثير من أن تتحقق فيك أي من تلك الصفات…لا..لا.لا.. لا إله إلا الله…
هذا إلهي أيها العبيد، هذا إله الأحرار الذي فطرهم على الكرامة والحرية والإباء، أما إلهكم أما نعمكم في مقابل لاءنا، فقد اختصرت هذا النعم اقراركم بتنازلكم عن انسانيتكم اقراركم بأنكم تستصغرون أنفسكم وتحتقرونها كثيرا، ولتعرفوا الفرق بيننا وبينكم بين الأحرار وبين العبيد قارنوا بين الهنا والاله الذي اخترتموه لأنفسكم، حينها ستعلمون جيدا لماذا يستقبل أحرارنا الموت مبتسمين وتستقبلون الحياة مرتجفين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق